بعد أن انتهت عهود الرواية والتدوين للأحاديث النبوية في جوامع ومصنفات وسنن ومسانيد، اشتغل العلماء بتجميع السنة في مصنفات تستوعبها، وأشهر هذه المجامع ما يلي:
1- جامع الأصول في أحاديث الرسول صلى لله عليه وسلم:
ومؤلفه هو مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري ثمّ الموصلي المعروف بابن الأثير، ولد سنة (544 هـ) ، وتوفى سنة (606 هـ) .
وقد جمع ابن الأثير في كتابه هذا أحاديث الكتب الستة المعتمدة في الحديث وهي: الموطأ، وصحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، وسنن الترمذي، وسنن النسائي.
وقد حذف أسانيد الأحاديث ولم يثبت إلا اسم الصحابي الذي روى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إن كان خبراً، أو اسم من يرويه عن الصحابي إن كان أثراً، اللهم إلا أن يعرض في الحديث ذكر اسم أحد رواته فيما تمس الحاجة إليه، فإنه يذكره لتوقف فهم المعنى المذكور في الحديث عليه.
وأما متون أحاديث الكتب الستة، فقد أثبت منها ما كان حديثاً عن رسول الله صلى لله عليه وسلم، أو أثراً عن الصحابي، ولم يذكر ما في تلك الكتب من أقوال التابعين والأئمة المجتهدين إلا نادراً.
وقد عمد المؤلف إلى الأحاديث جميعاً التي في الكتب الستة، فاعتبرها وتتبعها، واستخرج معانيها، ووضع كل حديث في الباب الذي يناسبه، فإذا كان للحديث انفراد بمعنى أثبته في باب يخصه.
وإن اشتمل على أكثر من معنى واحد وغلب أحد معانيه على بقية المعاني فإنه يثبت الحديث في الباب الذي هو أخص به وأغلب عليه، وإن كانت المعاني المشتمل عليها الحديث متساوية فإنه يضع الحديث في آخر الكتاب في باب سماه كتاب اللواحق.
وقد فصل الكتاب الواحد إلى أبواب، والأبواب إلى فصول، والفصول إلى أنواع، والأنواع إلى فروع، والفروع إلى أقسام، وعمد إلى كل فصل وكل فرع وكل باب، فرتب الأحاديث فيه، كل حديث يتلو ما يشبهه، أو يماثله، أو يقاربه.
وقد رتب أبواب الكتاب على حروف المعجم (أ، ب، ت، ث، …) طلباً للتسهيل، وقد لزم في الترتيب الحرف الذي هو أول الكلمة، سواءً كان أصلياً أو زائداً، ولم يحذف من الكلمة إلا الألف واللام التي للتعريف فحسب.
وإذا رجعت إلى الكتاب وجدت في صدره كتاب الإيمان والإسلام ثم كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة ثم الأمانة، وهكذا تتوالى الأبواب حتى ينتهي من كتاب الهمزة، ثم يتلوها التي تبدأ بحرف الباء، وقد بدأها بالبر، وهكذا ….
وقد وضع في كل كتاب ما لا يجوز أن ينفرد عنه، فكتاب الجهاد في حرف الجيم، وقد وضع فيه الغنائم والفيء، والغلول، والنفل، والخمس، والشهادة، ومع أن هذه لها حروف تخصها إلا أنه وضعها في كتاب الجهاد حرصاً على جمع الموضوع في كتاب واحد تسهيلاً على الباحث والمطالع.
ولكنه حرص على أن يضع في نهاية كل حرف من الحروف فصلاً ليستدل به القارئ على أماكن الموضوعات التي لم ترد في هذا الكتاب، فذكر مثلاً في آخر حرف الغين أن الغنائم والغلول في كتاب (الجهاد) من حرف الجيم.
وفي آخر حرف الفاء أن (الفيء) في (كتاب الجهاد) من حرف الجيم، فإذا أردت حديثاً من هذا النوع فاطلبه في حرفه، فإن وجدته، وإلا فانظر في آخر الحرف ما يدلك على موضعه، وقد أثبت ما وجده في كتب الغريب واللغة والفقه من معنى مستحسن أو نكتة غربية، أو شرح واف في آخر كل حرف على ترتيب الكتب.
2ـ جمع الجوامع:
جمع الجوامع أو الجامع الكبير مؤلفه الإمام جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، ولد عام (849 هـ) ، وتوفي عام (911 هـ) .
وقد قصد السيوطي أن يجمع فيه جميع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جمع فيه أحاديث واحد وسبعين كتاباً من كتب الحديث.
وقسم كتابه إلى قسمين: الأول منهما في الأحاديث القولية، وجعلها مرتبة على حروف المعجم. والثاني في الأحاديث الفعلية وجعلها مرتبة على مسانيد الصحابة، ولكن المنية اخترمته قبل إتمامه، وذكر الشيخ ناصر الدين الألباني أنه اطلع على نسخة مخطوطة من الجامع الكبير في المكتبة الظاهرية بدمشق، كتب بعضهم عليها بخط مغاير لخط ناسخها:
"عدة أحاديث هذا القسم بكماله 26568 "، ويريد بالقسم المشار إليه سنن الأقوال، ثم كتب " جملة قسم الأفعال نحو سبعة عشر ألفا حديث "، وعليه فمجموع أحاديث الكتاب تبلغ قرابة اثنين وأربعين ألفاً، بناء على إحصاء الكاتب المشار إليه.
3- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال:
للشيخ المحدث علي بن حسام الدين بن عبد الملك بن قاضي خان الشهير بالمتقي الهندي، المتوفى (975 هـ) ، وكتابه هذا هو أجمع كتب هذا الفن، رتب فيه مؤلفه الجوامع الثلاثة للسيوطي وهي: الجامع الصغير جمع فيه أكثر من عشرة آلاف حديث، والثاني هو زيادة الجامع الصغير، وحجمه قريب من حجم الجامع الصغير، والثالث: الجامع الكبير والمسمى بـ جمع الجوامع.
والذي قصد فيه أن يجمع الأحاديث النبوية بأسرها وقد توفي قبل إتمامه، فجاء المتقي الهندي فرتب هذه الجوامع الثلاثة على الأبواب الفقهية، فأصبح كتابه حافلاً لا مثيل له في الجمع، فقد جمع فيه أحاديث (93) كتاباً من كتب السنة، ويبلغ عدد أحاديث الكتاب (46616) حديثاً.
4- الجامع الصغير من حديث البشير النذير:
وهو للحافظ جلال الدين السيوطي وقد أخذ الجامع الصغير من الجامع الكبير، وحذف منه التكرار، وزاد فيه أحاديث، فبلغ عدد أحاديثه (10031) عشرة آلاف وواحدًا وثلاثين حديثـ ا، وقد نال الحظوة عند العلماء، وكثرت حوله الشروح.
قال فيه الشيخ ناصر الدين الألباني: " الجامع الصغير من حديث البشير النذير للحافظ السيوطي، من أجمع كتب الحديث مادة وأغزرها فائدة، وأقربها تناولاً وأسهلها ترتيبا. . "، وقد رتب السيوطي كتابه هذا على حروف المعجم.
ووضع السيوطي له ذيلا سماه زيادة الجامع، رتبه كترتيبه، وقد قام الشيخ يوسف النبهاني بضم الزيادة إلى الجامع ومزج أحدهما بالآخر، ورتبهما ترتيباً لا بأس به، وسماه الفتح الكبير في ضم الزيادة إلى الجامع الصغير.
ثم جاء الشيخ ناصر الدين الألباني فحقق هذا الكتاب العظيم، وفصل بين الأحاديث الصحيحة والأحاديث الضعيفة، وطبعه في كتابين، سمى الأول صحيح الجامع الصغير وزيادته، وسمى الثاني: ضعيف الجامع الصغير وزيادته، ولكن بعض الرموز في الجامع الصغير تخالف الرموز في الجامع الكبير، فالرمز (ق) في الجامع الصغير لما اتفق عليه الشيخان، وفي الجامع الكبير لما أخرجه البيهقي، فلتنتبه.
5ـ مشكاة المصابيح:
مؤلفه أبو عبد الله محمد بن عبد الله الخطيب التبريزي، من علماء القرن الثامن الهجري، وقد جمع فيه الأحاديث الواردة في كتب الحديث مثل: صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وموطأ مالك، والأم للشافعي، ومسند أحمد، وسنن الترمذي، وسنن أبي داود، وسنن النسائي، وسنن ابن ماجه، وسنن الدارمي، وسنن الدارقطني، وسنن البيهقي، والتجريد للصحاح الستة لرزين بن معاوية.
وقد اعتمد في تأليفه على كتاب مصابيح السنة للفراء البغوي، وذلك أنه وجد هذا الكتاب أجمع كتاب صنف في بابه، وأضبط لشوارد الأحاديث وأوابدها، ولكن صاحب المصابيح أغفل إسناد بعض الأحاديث، ولم يذكر مخرجها، فجاء الخطيب التبريزي فذكر ما أغفله صاحب المصابيح، وأودع كل حديث في مقره.
وقد سرد الخطيب التبريزي الكتب والأبواب كما سردها صاحب المصابيح، فرتب الكتب على ترتيب كتب الفقه، وقسم الكتاب إلى أبواب، وقسم كل كتاب غالباً إلى ثلاثة فصول:
أولها: ما أخرجه الشيخان أو أحدهما، واكتفى بهما - أي البخاري ومسلم - ، وإن اشترك فيه الغير، لعلو درجتهما في الرواية.
ثانيها: ما أورده غيرهما من الأئمة.
ثالثها: ما اشتمل على معنى الباب من ملحقات مناسبة مع محافظة منه على إضافة الحديث إلى راويه من الصحابة والتابعين ونسبته إلى مخرجه من الأئمة.
6- التاج الجامع للأصول:
من المجامع الحديثية المتميزة في عصرنا الحاضر كتاب: " التاج الجامع للأصول الخمسة " لمؤلفه الشيخ منصورعلي ناصف رحمه الله.
وقد جمع المؤلف في هذا الكتاب القيم بين صحيح البخاري ومسلم وسنن أبي داود وجامع الترمذي والمجتبى للنسائي، وقال في مقدمته: " وهذه هي الأصول الخمسة التي اشتهرت في الأمة وارتضتها لما لها من المكانة العليا في الحديث التي فاقت كل كتاب ظهر إلى الآن في علم الحديث لأنها جمعت من الشريعة ما عز وغلا ثمنه بل هي الشريعة كلها.
كما قال الإمام النووي رضي الله عنه: ما شذ عن الأصول الخمسة من صحيح حديث الرسول صلى الله عليه وسلم إلا النزر اليسير ولا شك ففيها حاجة الإنسان لسعادة الدنيا والآخرة ".
وقد اعتمد المؤلف الأصول الخمسة ولم يضم إليها ابن ماجة تماشياً مع رأي القدماء قبل المائة السادسة، وقال مبينا منهجه في الكتاب: " نظرت فيها نظرة عامة وطفقت أدمجها كلها بتمامها في مؤلف واحد، أهذب كتبه تهذيباً وأحرر أبوابه تحريراً، لكي أشفى به غليلي وأتحف به عشاق علم الحديث ".
وقد شرحه شرحاً لطيفاً، يقول في الشرح: " وقد تم لي ذلك والحمد الله فلم أترك في ظني حديثاً واحداً إلا ما كان مستغنى عنه بما كتبته، وما يظهر للقاري أني تركته فقد نقلته في باب آخر أشد له مناسبة، فمن هذا حديث النية في أول البخاري.
ولكني نقلته في كتاب النية والإخلاص، ومنه حديث بدء الوحي في أول البخاري ولكني نقلته في كتاب النبوة، ومنه حديث من تبع جنازة مسلم في البخاري في الإيمان ولكني وضعته في فضل تشييع الجنازة، ومنه حديث الحلال بيّن والحرام بيّن في البخاري في الإيمان.
وقد وضعته في المعاملات. . إلى أن يقول: بل وزدت على هذه الأصول من مسنَدَيْ الشافعي وأحمد وموطأ مالك وابن ماجه والحاكم وغيرها مما مست إليه الحاجة، ورغبة في الاختصار المألوف اكتفيت من الروايات المكررة بأجمعها للأحكام كما اكتفيت من السند براوي الحديث وهو الصحابي الذي سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ومخرجه في آخره، يعني اسم مؤلف الكتاب الذي أخرج الحديث ".
ومجموع ما في الكتاب من الأحاديث بلغ خمسة آلاف وثمانمائة وسبعة وثمانين حديثا، وهي كافية وافية لمن أراد أن ينهل من هذا المورد العذب الزلال، تكفي للقاضي والمعلم والواعظ والدارس والمجتهد.
7- جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الزوائد:
للعلامة المغربي أبي عبد الله محمد بن محمد بن سليمان الروداني المكي، المتوفى سنة (1094 هـ) ، جمع في كتابه هذا بين كتاب جامع الأصول لابن الأثير الجزري، وبين كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للحافظ الهيثمي فجاء كتابه حافلاً جامعاً لأحاديث أربعة عشر كتاباً من كتب السنة الشريفة.
وهي: الصحيحان والسنن الأربعة والموطأ ومسند الدارمي ومسند أحمد ومسند أبي يعلى ومسند البزار ومعاجم الطبراني الثلاثة الكبير والأوسط والصغير.
المصدر: موقع إسلام ويب